وهذا النوع قد حدث زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفر من عُكل وعُرينة، فحكم فيهم رسول الله بحكم المحارب. وإما بدون حِرابة؛ فقد ارتدّ نفرٌ آخرون ثم تابوا، فقبل رسول الله توبتهم. ثم ارتدت قبائلُ العرب بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإعلان الكفر أو بجحد وجوب الزكاة، وقد أجمع الصحابة على وجوب قتالهم. فكان إجماعُهم أصلًا في قتل المرتدّ مع الاعتضاد له بما رواه معاذ بن جبل وعبد الله بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهْ"، (?) يعني الإسلام.

وليس هذا الحكمُ بقادح في أصل حرية الاعتقاد؛ لأن الداخلَ في الإسلام قد كان على حريته في اعتقاده قبل دخوله فيه. فلما دخل في الإسلام صار غيرَ حرٍّ في خروجه منه لقيام معارض الحرية؛ لأن الارتدادَ يُؤْذِنُ بسوء طويةِ المرتد من قبل، فإنه لا يُتصور أن يجد بعد إيمانه دينًا آخر أنفذَ إلى القلب من الإيمان. فتعين أن يكون دخولُه في الإيمان لقصد التجسس، أو لقصد التشويه للدين في نظر مَنْ لم يؤمنوا به ليوهِمَهم أنه دينٌ لا يستقِرُّ متبعُه عليه بعد أن يعرفه؛ لأن معظم الناس أغرارٌ تغرُّهم الظواهرُ ولا يغوصون إلى الحقائق. وكما استدل هرقل على صدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - بسؤاله أبا سفيان: "هل يرتدّ أحدٌ من أتباع محمدٍ بُغضةً (سُخطةً) لدينه بعد أن يدخل فيه؟ "، فأجابه أبو سفيان - وهو يومئذٍ مشرك - بأن لا. فقال هرقل: "وكذلك الإيمانُ حين تخالط بشاشتُه القلوب". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015