"ومعنى الفطرة أن يتوهم الإنسانُ نفسَه حصل في الدنيا دفعة وهو عاقل، لكنه لم يسمع رأيًا، ولم يعتقد مذهبًا، ولم يعاشر أمة، ولم يعرف سياسة. لكنه شاهد المحسوسات، وأخذ منها الخيالات، ثم يعرض على ذهنه شيئًا ويتشكك فيه، فإن أمكنه الشكُّ فالفطرة لا تشهد به، وإن لم يمكنه الشكُّ فهو ما توجبه الفطرة. وليس كلُّ ما توجبه فطرةُ الإنسان بصادق، إنما الصادق فطرةُ القوة التي تسمى عقلًا.

وأما فطرةُ الذهن بالجملة، فربما كانت كاذبة. وإنما يكون هذا الكذبُ في الأمور التي ليست بمحسوسة بالذات، بل هي مبادئ للمحسوسات. . . فالفطرة الصادقة هي مقدمات وآراء مشهورة محمودة، أوجب التصديقَ بها إمَّا شهادةُ الكل، مثل أن العدل جميل، وإما شهادةُ الأكثر، وإما شهادةُ العلماء والأفاضل منهم. . . وليست الذائعاتُ من جهة ما هي ذائعات مما يقع التصديقُ بها في الفطرة. فما كان من الذائعات ليس بأولِيٍّ عقليٍّ ولا وهمي، (?) فإنها غيرُ فطرية ولكنها متقررةٌ عند الأنفس؛ لأن العادة مستمرة عليها منذ الصبا، وربما دعا إليها محبةُ التسالُمِ والاصطناع المضطر إليهما الإنسان، أو شيء من الأخلاق الإنسانية مثل الحياء والاستئناس، أو الاستقراء الكثير، أو كونُ القول في نفسه ذا شرطٍ دقيق لأَنْ يكونَ حقًّا (?) صرفًا، فلا يُفطن لذلك الشرط، ويؤخذ على الإطلاق". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015