الترمذي أن قَيْلَة بنت مَخْرَمة جاءت رسولَ الله وهو في المسجد قاعدًا القرفصاءَ قالت: "فلما رأيتُ رسولَ الله المتخشع في الجلسة أرعدتُ من الفرق". (?) فقولها: "المتخشع في الجلسة" أَوْمَأَ إلى أن شأن المتخشع في المعتاد ألا يرهب، وهي قد أَرْعَدَتْ منه رهبة.
ووصف كعب بن زهير رسولَ الله حينما دخل عليه المسجد في أصحابه مؤمنًا تائبًا، وكان كعب يومئذ أقربَ عهدًا بالشرك وأوغلَ في معرفة مظاهر ملوك العرب وسادتهم؛ إذ هو الشاعرُ ابن الشاعر؛ فإذا هو يقول بين يدَيْ رسول الله يصف مجلسَه:
لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ أَقُومُ بِهِ ... أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الفِيلُ
لَظَلَّ يَرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ ... مِنَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ الله تَنْوِيلُ (?)
ثم يقول في صفة الرسول:
لَذَاكَ أَهْيَبُ عِنْدِي إذ أُكَلِّمُهُ ... وقيل: إنك منسوبٌ ومسؤُولُ
مِنْ خَادِرٍ مِنْ لُيُوثِ الأسد مَسْكَنُهُ ... من بطن عَثَّرَ غِيلٌ دونه غيلُ (?)
الحكمة الرابعة: أن رسول الله بعث بين قوم اعتادوا من سادتهم وكبرائهم أن يكونوا محفوفين بمظاهر الأُبَّهة والفخامة، والرسول سيد الأمة، وقد جاء بإبطال قوانين سادتهم وكبرائهم. فناسب أن يشفع ذلك بتجرده عن عوائد سادتهم؛ لِيُريَهم أن الكمالَ والبر ليس في المظاهر المحسوسة ولكنه في الكمالات النفسية، وأن الكمال