فيكون إشارةً إلى الاكتفاء به في فهم أمر الخلافة، إذ كان له ذلك المقام المحمود يوم سقيفة بني ساعدة.

الحكمة السادسة: أنه وقع في بعض روايات الحديث في البخاري أنه لما كثر بينهم اللغط والخلاف، قال: "قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع". فالتنازع قد كان من الذين خالفوا رأي عمر بن الخطاب؛ لأنهم هم الذين نازعوه وجاؤوا يستفهمون رسول الله. فدل ذلك على ترجيح رأي عمر، وعلى تعليم الأمة الاعتراف بمزايا كبرائها وذوي رأيها مِمَّنْ شهد الناسُ بعلمه وفضله، فإن رسول الله كان أخبرَهم أن الله أيد رأي عمر في حوادث عديدة، وأن الشيطان لا يسلك فجًّا سلكه عمر بن الخطاب. (?)

الحكمة السابعة: أن عدول رسول الله عن كتابة الكتاب يعلمهم أن المصلحة إذا عارضتها مصلحةٌ أقوى منها يجب المصيرُ إلى أرجح المصلحتين.

الحكمة الثامنة: أنه أراهم أن أرجح الناس عقلًا، وأسدهم حلمًا، وأعلاهم مقامًا، لا يمنعه ذلك كله من الرجوع عن رأي بدا له إلى رأي آخر يتبين له رجحانه، وأنه لا غضاضةَ عليه في ذلك، إذ الابتداء منه والرجوع منه.

الحكمة التاسعة: أن ذلك كان مظهرًا من مظاهر العروج برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معارج الكمال في كل آن، فإن الله ألاح لرسوله شيئًا فيه نفع عظيم للأمة، ثم ألاح له عقب ذلك ما هو خير مما بدا له أول الأمر، إذ قال: "فما أنا فيه خير مما تدعونني إليه".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015