ودلالةُ المعجزة على هذا المعنى دلالةٌ عقلية قريبة من القطعية، لكنها كافية لاعتقاد المشاهدين لها بصدق الرسول إن كانوا غير مكابرين، من جهة استبعاد أن يكون حدوثُ الخارق حين إخبار مدعي الرسالة بوقوعه واقعًا على مجرد الصدفة، أو أن تكون لله في خلق ذلك الخارق عند ادعاء مدعي الرسالة حكمةٌ أخرى غيرُ تصديق الرسول. فتعين أن يكون حدوثُ ذلك الخارق حين التحدي إنما قدَّره الله لأجل ذلك التحدي، فوجب إذًا أن يكون تصديقًا للرسول؛ لأن الله تعالى لا يصدق الكاذب. وهذه المقدمة الثانية قطعية.

ثم توسع العلماءُ فعدوا جميعَ خوارق العادات المتعلقة بأحوال الرسول قبل الرسالة أو الجارية على يديه قبلها دلائلَ على صدقه، وسَمَّوْها الإرهاصات. (?) وفي الحقيقة نجد دلالتَها على صدق دلالة عَوْدِ التأمل على بَدْئه بأن يعودوا على ماضي ذلك الرسول فيجدوا في ماضيه دلائل على عناية الله به، فيزيدهم ذلك إيمانًا بأن مَنْ كان بدؤه ذلك البدء يناسب أن تكونَ نهايتُه تلك النهاية. وإذا كان العقلاء قد أنسوا الاستدلالَ بالشواهد والتفرس في الخلال، فعلموا من البدايات حال النهايات، كما قال حبيب بن أوس:

لَهَفِي عَلَى تِلْكَ الشَّوَاهِدِ مِنْهُمَا ... لَوْ أُمْهِلَتْ حَتَّى تَصِيرَ شَمَائِلَا

لَغَدَا سُكُونُهُمَا حِجًى وَصبَاهُمَا ... حُلُمًا وَتِلْكَ الأَرِيحِيَّةُ نَائِلَا

إِنَّ الْهِلَالَ إِذَا رَأَيْتَ نُمُوَّهُ ... أَيْقَنْتَ أَنْ سَيَعُودُ بَدْرًا كَامِلَا (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015