إن رحمة الشريعة تظهر في تبليغها وفي تنفيذها، فالأول قد جاء منجَّمًا، والثاني قد جاء مدرجًا. وإليك شاهدًا على الأول، قالت عائشة رضي الله عنها: "إنما نزل أولَ ما نزل من القرآن سورةٌ من المفصل فيها ذكرُ الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناسُ إلى الإسلام نزل الحلال والحرام. ولو نزل أولَ شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، لقد نزل بمكة على محمد - صلى الله عليه وسلم - وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)} [القمر: 46]، وما نزلت سورةُ البقرة والنساء إلا وأنا عنده". (?) و [إليك] شاهدًا على الثاني: التدرج في تحريم الخمر، فأول ما بدئ بذمِّ ما فيها من إثم في آية {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، ثم نزول آية: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، ثم آية تحريم الخمر. (?)
وقد اختصَّتْ شريعةُ الإسلام برحمةٍ كبرى في التشريع، وهي أن من أصولِها دعوةَ الأمة إلى النظر في أدلة العقيدة وعلل التشريع كل على حسب استعداده، وتدريب الأمة على ذلك. ولذلك لمَّا سأل سائلٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن لقطة ضالة الغنم