البتة"؛ لأن الذي نظَّر به تجوز فيه إرادةُ المعنى الأصلي، والآية لا يجوز فيها ذلك. فكيف يصح في الآية الانتقالُ من المعنى الأصلي إلى المعنى الكنائي مع أن المنتقل منه لا يستقر فيه الذهن، فضلًا عن أن ينتقل منه؟ فلزم سلوكُ طريقة الاستعارة التمثيلية.

ونظيرُ الآية قولُ أبي تمام:

مِنْ شَاعِرٍ وَقَفَ الكَلَامُ بِبَابِهِ ... وَاكْتَنَّ فِي كَنَفَيْ ذُرَاهُ الْمَنْطِقُ (?)

فقوله: "وَقَفَ الكَلَامُ بِبَابِهِ"، ليس كنايةً عن ملازمة صنعة الكلام لهذا الشاعر، بل هو تمثيلٌ لتسخير الكلام، حتى صارت هيئةُ مقدرته على الكلام الذي يريده تشبه هيئةَ تسخير عبد واقف ببابه لخدمته يتوجه أينما وجهه، أو هيئة عافٍ وقف ببابه لطلب معروفه.

وكذلك قوله: "وَاكْتَنَّ فِي كَنَفَيْ ذُرَاهُ الْمَنْطِق"، لظهور أن الشاعر لَمْ يُثبِتْ لنفسه ذُرًى يسكنها المنطق. بخلاف بيت زياد الأعجم، فإن المروءة والسماحة والندى مشتملٌ عليها ابن الحشرج، فتكون قبةُ ابن الحشرج مشتملةً على السماحة والمروءة والندى، لاشتمالها على الموصوف بها.

والوجه الثاني بقاءُ لفظ الاستواء ولفظ العرش لمعنييهما الحقيقيين؛ لأن المركَّب في الاستعارة التمثيلية ليس فيه إطلاقُ مفرداته على غير ما وُضعت له، بل مفرداتُه باقيةٌ في معانيها، وإنما الاستعارةُ في مجموع المركب. وهذا الوجهُ أحسنُ تأويلًا، وأقوم قيلًا، وأوضحُ حجةً ودليلا. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015