والأزهري لم يذكر هذا في كتاب التهذيب له في اللغة، بل في كتاب "شرح مختصر المزني" في الفقه الشافعي، (?) فهو واردٌ في مساق شرحٍ وتأويل، لا في مساق بيان الألفاظ اللغوية، وليس واردًا موردَ النقل. وقد فرض احتمالين في الحديث، وحاصل الاحتمال الثاني أن لفظ العزاء الذي هو اسم مرادف للصبر أقيم مقام مصدر تعزَّى على وجه النيابة بطريق التوسع. ولذلك قال: فأقام الاسم مقام المصدر الحقيقي، فدل على أنه ليس بمصدر حقيقي بل توسعي، أي بقرينة وقوعه بعد قوله: "لم يتعز". والتوسع باب في كلام العرب يشبه باب المجاز، وهو استعمال الكلمة في غير معناها الموضوعة له لا على طريقة المجاز، بل توسعًا في الكلام للتخفيف أو نحوه. فالفرق بين التوسع والمجاز بشيئين هما عدم العلاقة في التوسع بخلاف المجاز، وكون القرينة في المجاز قرينة مانعة والقرينة في التوسع قرينة معينة فقط.

فالنوويُّ نقل كلامَ الأزهري مبتورًا محذوفًا منه ما فيه من العبارات المحررة، فأوهم أن التعزية من معاني لفظ العزاء، ولم يذكر الحديثَ الذي تأوله الأزهري. على أن قول الأزهري: "أقيم مقام التعزية" حارسٌ من توهم أن العزاء مرادفٌ للتعزية؛ إذ لو كان مرادفًا لما استقام قوله: "أقيم مقامه". ولو كان الأزهري يريد بذلك إثبات معنى التعزية لكلمة العزاء لكان نقلًا شاذًّا لم يسبقه به أحد من أئمة اللغة، وليس الأزهري في عداد الأئمة الذين تقبل أفرادهم، المذكورة جماعة منهم في النوع الخامس من كتاب المزهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015