ألا ترى أن المصريين مع ما كان في كَهَنتهم من العلوم الحكمية لم تخلُ عامَّتُهم من الإيمان بأوهام خرافية؟ وكذلك الحال في اليونان إذ لم يكن لغالب أساطين العلم في هؤلاء وأولئك دعوةٌ إلى إصلاح التفكير والاعتقاد في العامة إلا نادرًا، مثل ما كان من سقراط بطريقته الوعظية والتمثيلية، وديوجينوس بطريقته التهكمية، (?) بل كان غالبُهم يقتصر من علمه على التعليم الخاص.
على هذا السَّنَنِ كان شأنُ العرب في جاهليتهم، فقد تعلَّقوا بأوهامٍ باطلة ابتكرتْها تخيلاتُهم، أو وضعها لهم أهلُ الدهاء من المتطلعين إلى التفوق والزعامة في القبائل، فيرسمون لهم رسومًا ويخيلون لهم أنها معارفُ استأثروا بها ليجعلوا أنفسهم مرجعًا يرجع إليه الأقوام، فانطوت بهم عصورٌ في ضلالة حتى استيقظوا منها في القيامة فقالوا: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)} [الأحزاب: 67، 68]. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عمرو بن لُحَي جد خزاعة أنه يجر قُصْبَه في النار؛ لأنه أول من بحر البحيرة وسيب السائمة وحمى الحامي ووصل الوصيلة، (?) ودعا الناس إلى عبادة الأصنام. (?)