ويجوز أن يكون المراد من قوله: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا" إلخ، غايةً لنفي تسليط العدو من غير تقييد كون العدو من غير أنفسهم، أي تسليط بعض المسلمين على بعض تسليطًا يستبيح بيضتَهم ويفني جماعتَهم. فيكون ذلك إخبارًا عن غاية من الزمان تحصل فيه فتنٌ عظيمة، فيرتد فريقٌ من المسلمين عن الإسلام ويكون مساويًا للفريق الباقين على الإسلام في العدد، وتزول منهم حرمةُ أحكامه فيقتل بعضهم بعضًا قتلَ استئصال حتى لا يبقى من يقول: الله، الله، كما ورد في الحديث: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق"، (?) وذلك بأن يسلط بعضَ المسلمين على بعض، ويسلب الغالبين رشدَهم فيهلكوا البقية، نظيرَ ما سلب الله نيرون سلطان الرومان من العقل حتى صار يَلَذُّ له إزهاقُ نفوس قومه وإحراقُ عاصمة سلطانه. فيكون هؤلاء قد {بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)} [إبراهيم: 28]، وهي غاية بعيدة المدى، ما بقيت في المسلمين مِسكةٌ من هدى، نسأل الله أن يعيذ الأمة من هذه الحالة ببركة رسولها - عليه السلام -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015