أما نحو السببين الثاني والثالث - وهما النسيان والغلط - فقد اشترط مالك رحمه الله في الرواية أن يكون الراوي من أهل العلم والمعرفة. قال ابن وهب: "ما كنا نأخذ الحديث إلا من فقهاء". (?) وشدد في نقل الحديث بالمعنى، فقال: "لا ينبغي للمرء أن ينقل لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا كما جاء، وأما لفظ غيره فلا بأس بنقله بالمعنى"، (?) نعم رخص في زيادة مثل الواو والألف في الحديث والمعنى واحد.

وأما نحوُ السببين الرابع والخامس - وهما الترويج والتفاخر - فإن مالكًا رحمه الله أخذ الحيطة لذلك بأمرين: بتزييف ما كانوا يصنعون، والحذر مما يدعون. ففي المقام الأول لم يهتم بشيء من التصنع والتحسن في طرق الرواية، فكان يكرر ما يقوله لهم أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر: "إذا أخذتُم في الساذج تكلمنا معكم، وإذا أخذتم في المنقوش قمنا عنكم". (?) وقيل له: "إن فلانًا يحدثنا بغرائب، فقال (مالك): من الغريب نَفِرّ". (?) وقال له بعضُهم: "ليس في كتابك حديثٌ غريب. فقال: سررتني". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015