الثالث: تحقق مطابقة ما يروونه للثابت من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلى هذا ترجع شروطُ الترجيح عند التعارض.
والشرطان الأولان يتعلقان بصحة السند، والثالث يتعلق بصحة المتن. (?) وقد نظروا في الأسباب الحاملة على وضع الحديث فوجدوا أنها افتراء، أو نسيان، أو غلط، أو ترويج، أو تفاخر، فبنوا أصولَ الضبط على منع هاته الأسباب.
فأما الكذب، فهو شرُّ الأسباب وأسخفها؛ لأنه يُؤْذِنُ بالاستخفاف بالشريعة، ولا سيما العلم بالحديث الصحيح، وهو قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كذب علي متعمدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار". (?) ودَفْعُ هذا السبب بتوخي أحوال الرواة والفحص عن عدالتهم وديانتهم، ونقد ظواهرهم وبواطنهم، فلا يُقبل مجهولُ العدالة باطنًا وهو المستور على الأصح، ولا يُقبل المجهول باطنًا وظاهرًا بإجماع.
وأما النسيانُ والغلط فهما يعرضان للراوي، وهما متقاربان: فالنسيان كأن يشتبه عليه المعلوم، فينسى أن يكون روى عن غير ثقة فينسبه إلى ثقة. والغلط أن يغير اللفظ، أو نحو ذلك. ويتفاوت الناسُ فيهما بتفاوت قوة الذهن، ودفعهما بتوخي أهل الضبط من الرواة الذين جُربوا المرة بعد المرة، وأعيدت عليهم الأحاديثُ وقُلِبت لهم، فثبتوا فيها وأتوا بها على وجوهها، مع تجربة حفظهم ويقظتهم.
ومن هذا النوع أن يرويَ الراوي الحديثَ بالمعنى، فيغير المعنى بتغير اللفظ. وهذا القسم أشدُّ الأقسام خَطَرًا؛ لأن الناسَ عرضةٌ للنسيان والغلط، ولأنه وقع من