وأحاديث التناصح كثيرة بلغت مبلغ التواتر المعنوي. فعلينا بادئ ذي بدء أن نبين ماهية النصيحة، ثم نتطرق من ذلك إلى بيان مواقع النصيحة وبيان المنصوح به.
عرَّف بعضُ علمائنا النصح بأنه "عناية القلب للمنصوح له [من كان] ". (?) وعرفه آخر بأنه قيامُ الناصح بوجوه خير المنصوح إرادةً وفعلًا، (?) أي: بالنية والعمل. والنصيحة تأتي بمعنى الكلام الدال على النصح، فليست نية الخير للغير نصيحة. وإنما ينبغي التنبيه على التفرقة بين النصح وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالنصحُ أعمُّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأخصُّ منه من وجه، فهما يتلاقيان في أحوال وصور كثيرة، وينفرد كلاهما في صور كثيرة أيضًا. فحقيقةُ النصح - كما علمتَ - إبلاغُ ما فيه خيرٌ للمنصوح، وإن لم يكن متلبِّسًا بفعلِ منكرٍ ولا بتركِ معروف، وكون الخير المنصوح به نافعًا للمنصوح وإن لم يكن من ضد المنكر.