تخيل للجاهل نفسه محفوفًا بأعداد لا تحصى من الأرواح الخفية كلها أقمر منه وأشرف، وكلها متحفزة لأن تذيقه أليم العذاب إن حاد عن مشيئة سدنتها. وبالضرورة يكون التعدد مانعًا من الإحاطة بقوانين مرغوباتها، إلا ما تمليه في كل آن أفواهُ الكهنة. فبُنيت على ذلك أسسُ الامتياز، وصار المجدُ وراثةً والفضيلة التزامًا تنقل من الأب لابنه. ومن جهة أخرى كانت الوثنية تُجري النفوسَ على المناكر والفساد في الأرض إن نالت على نسبة لروح مقدسة وغنمت محبتها. ومن المعلوم أن ذلك يستدعي بذل الأصفر الرنان واهتضام حقوق الإنسان.
فلما جاء الإسلام يجتث جذورَ الوثنية وأثبت الخالق الواحد، شعر الناسُ بتساويهم، واستخذى الرؤساءُ إذ كُسرت آلاتهم وعُطلت دواليب تدجيلهم. وأصلُ الشعور بالوثنية المحبةُ الغالية التي تستلزم احترامَ المحبوب وتقديسَه، حتى أدخل بلوتارك المؤرخ احترامَ المحبوب في حقيقة الحب (?)، وحتى قال شاعرُ العرب:
أَهَابُكَ إِجْلَالًا وَمَا بِكَ قُدْرَةٌ ... عَلَيَّ وَلَكِنْ مِلْءُ عَيْنٍ حَبِيبُهَا (?)
وقال أبو الطيب:
وَلمَّا رَأَيْنَا رَسْمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ لَنَا ... فُؤَادًا لإِدْرَاكِ الرُّسُومِ وَلَا لُبَّا