ولا ينقص من شجاعتنا على هدم هذا الأصل، أن يصادقَ عليه الشيخُ ابن خلدون والفخرُ ابن الخطيب رحمهما الله، (?) فإنا لا نعلم الأول إلا فيلسوفًا تاريخيًّا، ولا الثاني إلَّا رجلًا عالِمًا له سعةُ اطلاع على كلام الحكماء لم يخوِّله مرتبةَ الحكم اليقيني أو يكسبه صوتًا معهم. وما كان واحدٌ منهما بالفيلسوف الطبيعي، وإنما ذكرا ذلك الكلام في كتابيهما كما تُذكر الأصولُ الموضوعة في كتب العلوم. (?)

ثم أضفتُ إلى ذلك أدلةً ما تصل إلى إيثار اليقين، ولكنها لا تقصر بعد اجتماعها عن أن تُكْسِبَ الحقَّ قوة.

1 - منها أن الأصل في الفلتات القلة. والفلتة وإن لم يضعوا لها حدًّا تقف عنده، إلَّا أنَّ اسمها وحده كافٍ في اعتبار قدرتها كمًّا وكيفًا، ولو كثرت لانقلبت عادة؛ إذ ليس أصلها من الأحكام العقلية التي لا يخرج الشاذُّ منها عن شذوذه ما بلغت به الكثرة. وظاهر القرآن والتاريخ يقتضي أن نوحًا - عليه السلام - عاش هذا الزمن وقومُه هم هم، وأنهم الذين عاقبهم الله تعالى بالطوفان. ومن الآيات التي تقتضي طبيعةُ سوقها ذلك قولُه تعالى في سورة الشعراء: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015