وَإِذَا كَانَتِ النُّفُوسُ كِبَارًا ... تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الأَجْسَامُ (?)
فإذا نظرنا بعد هذا إلى المقدار الذي يمكن الإنسان تناوله من غير القسم الثاني، نجد أن لا شيء من الملاذ الحسية بلذَّة حقيقية، وإن تموه على عقول جمهور الناس؛ فإن هاته الملاذَّ - على ما فيها من توقفٍ على تسويغاتِ الدين والصحة والعادة والاحتياج إلى مكنة الفرض - هي واقفة عند غاية. ثم ماذا ترى عند البلوغ إلى غايتها؟
ترى الهيضةَ (?) إن أَكَلتْ، والامتلاء إن شَرِبتْ، والندامة إن داعبتْ، والعجز إن استزادت. غير أن الذي يريد أن يغض عن هذا كله، ولا يعتبر من حال اللذات إلا أوقاتَ اقتضائها، ويقول ما الإنسان إلَّا ابنُ ساعته، وما هو بمفكر في التي تليها؛ نقول له: انظر إليك وأنت تزعم أنك في لذاتك الحالية، (?) وجرِّدْ عقلَك مما تسلط عليه من الوهم، تَجِدْ نفسك في لذاتك كلها محتاجًا إلى معونة غيرك. وإن كنت عاجزًا عن تحضير أسباب لذاتك، فليتك تشعر أنك تفقد واحدًا أو ينقبض لك آخر! وفي الأقل تفكر في انتهاء اللذَّة ومفارقتها، وكيف تجدك في حالك هاته؟ ألا تجدك كما قال الشاعر:
فَأَبْكِي إِنْ نَأَوْا شَوْقًا إِلَيْهِمْ ... وَأَبْكِي إِنْ دَنَوْا خَوْفَ الْفِرَاقِ؟ (?)