داعيًا بعده، وجعل من ذريته سدنةً لذلك البيت، وأوصاهم بكلمة التوحيد وبثها، قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132)} [البقرة: 132]، وقال: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)} [الزخرف: 28]. وبهذا المعنى يظهر وجهُ وصف البيت بأنه "هدى للعالمين"، كما سيأتي.

فالكعبةُ أولُ بيتِ توحيدٍ وُضع للناس، أي البشر؛ لأن واضع معابد الوحدانية هو إبراهيم - عليه السلام -، والكعبة أول مسجد وضعه إبراهيم. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة". (?) ولا شك أن مراد رسول الله بالمسجد الأقصى المسجدُ الذي بناه إبراهيم هنالك، لا المسجد المعروف الذي بناه سليمان بن داود، ويكون مسجد سليمان مبنيًّا على موضع مسجد إبراهيم، فيندفع الإشكالُ عن الحديث. إذ قد ثبت في التوراة أن إبراهيم بنى مذابِحَ - أي مساجد - في كثير من البلاد التي مر عليها، وهذا ما تقتضيه الفقرة السادسة من الإصحاح 12 من سفر التكوين: "إن إبراهيم لمَّا مرّ بأرض كنعان بنى مذبَحًا لله في بلوطة مورة في مكان شكيم ومذبَحًا غربي بيت إيل". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015