الأقاويل. وجنح شهاب الدين القرافي إلى التمييز بعظم المفسدة وحقارتها، فقال في التاسع والعشرين والمائتين من قواعده:
"الصغيرة في المعاصي ليس من جهة من عصي، بل من جهة المفسدة الكائنة في ذلك الفعل. فالكبيرة ما عظمت مفسدتُها، ورُتَبُ المفاسد مختلفة، وأدنى رتب المفاسد يترتب عليها الكراهة. ثم كلما عظمت المفسدةُ ارتفعت الكراهة حتى تكون أعلى رتب الصغائر يليه أدنى الكبائر، ثم تترقَّى رتبُ الكبائر بعظم المفسدة حتى تكون أعلى رتب الكبائر يليها الكفر". (?)
وقدح فيه ابنُ الشاط (?) بأن النظرَ إلى مقادير المفاسد في ضبط الصغائر والكبائر لا يصح؛ لأنه بناءٌ على قواعد المعتزلة، ثم إنه رجوعٌ إلى عدم التمييز لجهلنا بمقادير المفاسد وعدم وصولنا إلى العلم بحقيقته. (?)
قلت: أما الأول فبَيِّنُ الفساد؛ فإن بناءَ الشريعة المطهرة على اعتبار المصالح والمفاسد أمرٌ معلوم أثبته الاستقراء لها، كما وقع التصريحُ به في أول كتاب المقاصد من الموافقات. (?) والخلاف بين أهل السنة والمعتزلة إنما هو في الوجوب وعدمه، وكونِ العقل يتوصل إلى المصلحة فيعلم الأمر وإلى المفسدة فيعلم النهي، أو لا يدرك ذلك إلا بعد ورود الأمر والنهي. بالأولين قال المعتزلة، وبالثانيين قال أهلُ السنة.