وبذلك الصلح توجهت همةُ السلطان إلى إصلاح ما انهرش من أحوال المملكة وتوابعها، وتجديد ما رث من حالة جيشها. وكان السلطان قد قمع جند الانكشارية، وضرب على أيدي زعمائهم، وأبطل الرشوة. ثم توجهت هِمتُه إلى تحسين حال الممالك التابعة له، وفي مقدمتها مصر والحجاز، إذ أصبح أمراء القطرين يحسبون للسلطنة حسابَها بعد تحقق صرامة السلطان مع جند الانكشارية، وضربه على أيدي المرتشين والمفسدين.
ومن أحسن الصدف أن كان مراد أبو بالة والي تونس الجائر المفسد لَمَّا أَفْنَتْ حروبُه مع المسلمين عساكرَه، أرسل أحد قواد جيشه - آغة صبايحية (?) الترك المسمى إبراهيم الشريف - إلى بلاد السلطنة العثمانية ليجمع له جندًا من المتطوعة، فصادف بعثةً هنالك بعثها باشا الجزائر إلى الحضرة السلطانية في التشكي من أحوال مراد أبي بالة، فظهر للسلطان أن جمع بين بعثة الجزائر وبعثة تونس، وأمرهم أن يبلغوا باشا الجزائر وباي تونس وجوبَ عقد صلح بينهما وذلك في سنة 1113 هـ، فكاتب إبراهيم مراد بذلك، فامتنع وعصى. وقد تحقق السلطان جورَ مراد أبي بالة، فاستحلف إبراهيمَ الشريف على المصحف أن لا يكذبه فيما يسأله عنه من أحوال مراد أبي بالة، فحلف أن يصدقه، فسأله عما تشكى منه أهلُ الجزائر فأخبره الصدق. فعزم السلطان على توجيه جيش للقبض على مراد أبي بالة وكف جوره عن الناس وخلعه من الولاية.
ثم إنه وثق من إبراهيم الشريف أن يكون هو الذي يتوَلَّى قتلَ مراد أبي بالة وكف عاديته، فأعطاه منشورًا سلطانيًّا بيده مخاطبًا به جندَ الترك بتونس يأمرهم