ولم تزل هممُ ذوي الكمال منصرفةً إلى تيسير سبيله، وإذاقة الظامئ إليه صافي سلسبيله، بشتى وسائل التيسير: من تقريب المسائل، وتوقير الأوقات، وإراحة البال من المشوشات، ونقض السدود الحائلة دون السير في ذلك السبيل، وتربية الشراهة على التحصيل.

وبمقدار اعتناء الأمة بالتدبر والتفكر في هذه الوسائل وتقريبها لأبنائها، يتوسم المتوسمون منها تأهلَها للارتقاء وتشام غيوث من برق عزمها إذا لاح متألقًا. ولم يكن حظُّ الأمة التونسية في هذا المضمار من بين الأمم منقوصًا، فقد سايرت في ذلك تطورَ العصور تمهيدًا وإكمالًا، ونشطت في أحوال أورثت تكاسلًا وإقبالا.

فمعهدُها هذا الجليل بأصله وفروعه ومدارسه المبثوثة في الحاضرة والإيالة قد كان ميدانًا لهذا السباق، وقديمًا جرت فيه جيادُه جريَ انتظام وانتساق. فطلعت في أفقه شموسٌ وأهلة، وفي شواهد التاريخ الإسلامي على ذلك كثير من الأدلة؛ إذ لم يزل تأرز إليه علوم الشريعة وعلوم اللغة العربية، فكان وجهةَ الأولين لحفظ قوانين الشريعة أصولًا وأحكامًا، وغذاء حياة العربية كتابة وكلامًا. من أجل ذلك كان النصحُ لهذا المعهد حقًّا على كل مسلم؛ لأنه يجمع مواضع النصيحة التي تضمنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015