واستولَى الفرسُ على بغداد استيلاءَ الجبابرة، فأحرقوا خزائنَ كتبها، وخربوا ضريحَ الشيخ الجيلي. وكانت بلادُ العراق تبعًا لحال هاتين الدولتين: إن قامت الفتنُ بينهما كان مَجَالُها العراق، وإن آلت إلى ملك الدولة العثمانية كان اختلالُ حالها تبعًا لاختلال حال الدولة العثمانية. وكذلك كان حالُ الممالك الشامية، وكانت الصولةُ للجند في هذين القطرين العراقي والشامي.

وكانت بلادُ الْحجاز في فوضى عظيمة من أثناء سنة 1077 هـ حين توفِّي أمير الحجاز العظيم زيد بن محسن، فاضطرب الحجازُ بنزاع بين الشريف سعد بن زيد المحصل على الإمارة وبين أخيه محمد يحيى، والشريف محمود الداعي لنفسه. فأصبح الحرمُ الأمين مطارَ شرر الفتن، وعم النهبُ والسلب إلى منتهى القرن الحادي عشر، ففي سنة 1099 هـ قطع العرب طريقَ الحاج المصري والمغربي، وكان بالحجاز خوفٌ عظيم.

وأما مصر - وهي واسطةُ البلاد الإسلامية بين الشرق والغرب - فكانت في خلال القرن الحادي عشر بحالة فوضى وإهمال؛ لأن حضارتها قد أخذت في الانتفاص من وقت انقراض خلفاء العباسيين منها حين دخلت تحت الدولة التركية في مدة السلطان سليم، إذ صار حكمُها لباشوات في القاهرة، وللكُشَّاف (جمع كاشف)، والسناجق في كور مصر الأربع والعشرين. وكان دأب الجميع الْجَوْر والعسف والسلب وإذلال الأمة، حتى ماتت الهمم، وصار السير إلى الوراء بعد الأمم. قال المؤرخ محمود فهمي (?) في البحر الزاخر: "وفي ظرف القرنين اللذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015