فقال له النعمان: "هي بدم كانت أحرى أن تخضب"، فقال الفزاريان: أبيت اللعن لا تثريب، قد أجرناه والعفو أجمل، فأمنه". (?)
قال الرواة: لما هرب النابغةُ من النعمان بن المنذر صار في غسان، فنزل بعمرو بن الحارث الأصغر بن الحارث الأعرج بن الحارث الأكبر بن أبي شمر، فمدحه النابغة. وكان أخوه النعمان بن الحارث يومئذٍ غلامًا، فمدحه النابغة. وأقام عند عمرو بن الحارث حتى مات، وملك أخوه النعمان بن الحارث فصار النابغةُ من خاصته (?).
اقتضى ما رواه أبو الفرج عن حسان بن ثابت في قصة الرجز الذي أوله: "أصم أم يسمع رب القبهْ"، أن النابغة رجع إلى صحبة النعمان كما تقدم. ولا شك أن رجوعه ذلك كان بعد أن صارت له صلةٌ مع ملوك غسان، وأنه رغب في مراجعة النعمان لمحبته له، ومراعاة عهده وعهد أبيه وجده، كما تقدم. قال أبو عبيدة: "قيل لأبي عمرو: أفمن مخافة النعمان امتدحه النابغةُ بعد هربه أم لغير ذلك؟ فقال: لا لعمر الله! ما لمخافته فعل، إن كان لآمنًا من أن يوجه النعمانُ له جيشًا، وما كانت عشيرتُه لتُسْلمه لأول وهلة، ولكنه رغب في عطاياه وعصافيره". (?)
قال أبو جعفر (ص 23) عن أبي عمرو وابن الأعرابي: "وعرف النعمانُ أن الذي بلغه عن النابغة كذب، فبعث إليه: إنك لم تعتذر من سخطة إن كانت بلغتك، ولكنا تغيرنا لك عن شيء مما كنا لك عليه. ولقد كان في قومك ممنعٌ وحصنٌ فتركته ثم انطلقت إلى قوم قتلوا جدي، وبيني وبينهم ما قد علمت".