فكان خلف في هذا الشأن إمامًا غير مدافَع؛ والأخبار عنه في هذا كثيرة في كثرة محفوظاته وفي تهمته بوضع القصائد من نظمه ونسبتها إلى بعض مشاهير الشعراء، فتشتبه على النقاد بأشعار من تنسب إليهم. وقد تطرق الشكُّ بعضَ مروياته، وكثر الجدالُ في تصحيح ذلك. فأما في جانب علم النحو، فلا شبهةَ في أنه معدودٌ من أئمة النحاة، لذلك ترى النحاة قد عزَوا إليه آراء خاصة به في مسائل من النحو ليست قليلة.

إن علمَ النحو ظهر في الكوفة فيما دوّنه أبو الأسود الدؤلي في خلافة الخليفة الرابع، ولكن الكوفة والبصرة كانتا مدينتين نزلت قبائلُ العرب حولهما من نجْديين ويمنيين أهل الفصاحة. فنزلت مثلُ عُقيل وهُذيل وبني عامر حول البصرة، ومثلُ أسد وتميم حول الكوفة. فكان لأهل المدينتين حظٌّ من مخالطة الفصحاء واستعمال العربية الفصحى، وربما كان أهلُ البصرة أكثر تفرغًا لذلك؛ لأن الكوفة كانت معدودةً دارَ الجند؛ وعُرفت بذلك في قول عَبدة بن الطّيب:

إِنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهَاجِرَةً ... بِكُوفَةِ الجُنْدِ غَالَتْ وُدَّهَا غُولُ (?)

وكان النحاة فيهما متقابسين (?) مسائلَهم، ولم يقع تمايزٌ بين طريقة البصريين وطريقة الكوفيين إلا بعد انحياز سيبويه وشيعته بالبصرة، وانحياز الكسائي وشيعته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015