قد مثلَتْ حالةُ المسلمين في القرن الثامن للناظر إليها من خلال كلامنا المتقدم حتى كأنها منه رأيُ العين، وحتى برئ أن يخالجه في استجلائها اشتباهٌ أو مين. (?) وقد رأى كيف انصدع بناءُ الجامعة الإسلامية مرارًا، ثم كيف مُنح صدعُه انجبارًا يعقب انجبارًا. ولقد وهت من جراء انصداعه المتكرر شرفةٌ كانت حاميةَ جلاله وأبهة جماله، ألا وهي شرفة الخلافة، فقد نشأ الإسلام مقارنًا لمنصب عظيم هو ولاية أمور أتباعه، والتيقظ لتنفيذ مقاصده في سائر أصقاعه، ولي ذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حياته وقام به خلفاؤه من بعده.
فكانت الخلافةُ الإسلامية أكبرَ ضمانٍ لوحدة المسلمين، يستظلون بلوائها، وإذا انتابها خطبٌ تألموا للأوائها. ثم زالت حرمةُ الخلافة بثورة دعاة العباسيين وتمزيقهم إهاب الخلافة الأموية، فما استتبَّ الأمرُ للعباسيين بعد لأي حتى تطرق الوهنُ للخلافة حين انشقت عنها الدولةُ الأموية بالأندلس والحسنية بالمغرب الأقصى. ولقد تحمل خلفاءُ العباسيين ذلك على تبرم، ولسان الحال ينشدهم:
فَلَا تَجْزَعَنْ مِنْ سُنَّةٍ أَنْتَ سِرْتَهَا ... فَأَوَّلُ رَاضٍ سُنَّةً مَنْ يَسِيرُهَا (?)