ومدينة ألبيرة (?) من الغرب إلى الشرق في مسافة عشر مراحل (أي ثلاثمائة ميل)، وفيما بين البحر الأبيض وبين غرناطة من الجنوب إلى الشمال في مقدار مسافة واحدة (أي ثلاثين ميلًا). على أن تلك القطعة لم تلبث أن سُلبت منهم فيما بعد، فيعد المسلمون يومئذ في حكم المسلوبين من الملك في أوروبا.

فلو بقيَ المسلمون منزوين في آسيا وإفريقيا لكانوا عاكفين على حضارة قديمة، ولمَا نالهم شيءٌ من سريان تلك الحضارة الجديدة، وما استطاعوا أن ينغمروا فيها، ولكان حظُّهم عند استتباب العظمة لأوروبا هو الخمول والخضوع تحت سلطان أوروبا للعجز عن مجاراة أممها الناهضة. ولا ندري مقدارَ ما كان يحصل من الوهن والضعف في السلطنة الإسلامية، وإلى أين يرمي ذلك الضعفُ بحكومة الإسلام من مرامي الإهمال تجاه الأمم المعاصرة.

فكان لزامًا لاستبقاء حضارة المسلمين وقوتهم وحظِّهم من السيادة في العالم المتمدن الذي هو بصدد التكون، أن تكون لهم قدمٌ في أوروبا - مهد تلك الحضارة الجديدة. وكان امتلاكُ عاصمة شرق أوروبا أجدَى على المسلمين من امتلاك بلاد الأندلس؛ لأن تلك العاصمة هي بابُ أوروبا كلها. وهي الحدُّ الجامع بين آسيا وأوروبا، وهي برزخُ الحضارات المتنوِّعة الكائنة حولها ووراءها، فلا يُجهل ما يكون لِمَالكها من الفائدة في عظمة السلطان وارتقاء المدنية والحضارة. وهي من جهة أخرى مجاورةٌ لأعظم ممالك المسلمين ولمقار قوتهم وعتيد جيشهم، فهم فيها أمكنُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015