وقد حصلت المضادةُ بين معنى الحرفين تبعًا للمضادة الحاصلة بين متعلَّقيهما؛ لأن معنى الباء لا يضاد معنى اللام في نفسه، فالمضادة بين الحرفين هنا أضعف من المضادة التي في قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
فذُكر هذا البيت في مجلس المعتمد محمد بن عبّاد ملك إشبيلية وقرطبة من ملوك طوائف الأندلس، فقال: إن فيه نقدًا خفيًّا، ففكر أصحابُ المجلس في نقده، فلم يهتدوا إليه، فقال المعتمد: الليل لا يقابل إلا بالنهار ولا يقابل بالصبح؛ لأن الليل كلّي والصبح جزئي، فتعجب الحاضرون وأثنوا على تدقيق انتقاده. قال الصفدي: "ليس هذا بنقد صحيح، والصواب مع أبي الطيب؛ لأنه قال: أزورهم وسواد الليل يشفع لي، فهذا محبّ يزور أحبابه في سواد الليل خوفًا ممن يشي به، فإذا لاح الصبح أغرى به الوشاة ودلّ عليه أهل النميمة، والصبح أول ما يُغرَى به قبل النهار، وعادةُ الزائر المريب، أن يزور ليلًا وينصرف عند انفجار الصبح خوفًا من الرقباء، ولم تجر العادة أن الخائف يلبث إلى أن يتوضح النهار ويمتلئ الأفق نورًا، فذكر الصبح هنا أولى من ذكر النهار". (?) وكتب البدر (?) البشتكي الدمشقي: هو (أي ابن عباد) ما انتقد عليه المعنى، إنما انتقد عليه مطابقة الليل بالصبح، فإن ذلك فاسد" (?).
وأقول: نظر المعتمد إلى نقد صحة المضادة بين الليل والنهار بأنها غير مستقيمة في مقابلة الليل بالصبح؛ إذ الليل إنما يقابله النهار، وليس يريد انتقاده إذ لم يعبر بالنهار عوض الصبح؛ لأن المتنبي لو جاء بلفظ النهار لما استقام له إضافة البياض إليه؛ لأن ضوء النهار لا يسمى بياضًا، ولكن يسمى نورًا، بخلاف الصبح،