وصية والده، لحذف من شعرهما شيئًا كثيرًا ولمَا أبقى منه إلا أبياتًا قليلة (?). وأيضًا الهجاء معظمُه مِمَّا يُكره أن يباشر به الناسُ بعضهم بعضًا، فلو أراد أحد من هؤلاء نشر ديوان الفرزدق أو جرير أو الأخطل لمَا بقي من شعر هؤلاء إلا قصائد قليلة. وقد رأينا من بعض المتأدبين العصريين مَنْ يكره المديح، وفي الناس من يرى الفخر ذميمًا، وميادينُ النفوس شتَّى، وكلُّ حزب بما لديهم فرحون.
وأمانةُ العلم والنشر تُوجِبُ إثباتَ ما تركه القائلون كما هو، وتَعدُّ الإقدام على إماتة كثير من بنات الأفكار ضربًا من الوأد، وإن الاعتذارَ له بمثل تلك الأعذار هو كانتحال أهل الجاهلية لأنفسهم معاذيرَ لوأد بناتهم. وربما اعتذر بعضُ الناس لحذف ما يحذفونه بأنه مما لا يحسن أن يدرس في المدارس للصغار، وهو عذر واهٍ؛ إذ ليس من الواجب تدريسُ الكتاب كله، وإنما المدرس ينتخب ما يراه حسنًا ويترك ما يراه قبيحًا، وكم من عائب قولًا صحيحًا.
من أجل ذلك كله، أثبتُّ ديوانَه على ما هو عليه، وألحقت ملحقاتِه كلها، كما نُسبت إليه.