والزندقة اسم اشتقه العرب من كلمة "زندو" - بالفارسية - الدالة على كتاب السفر المقدس الذي يقال بالفارسية "الزندوفستا"، وهو كتاب ماني الذي يُدعى أتباعُه المانوية (?). ويقال لهم الثنوية؛ لأنهم يثبتون إلهين اثنين. فقالوا: تزندق إذا اعتقد اعتقاد مجوس الفرس، أي انتسب للزندو. ثم اشتقوا منه "زندقة" للاعتقاد، و"زنديق" للمعتقد، ثم أطلقوه على من يُسِرُّ هذا الاعتقاد، فلا يسمّون المتظاهر بالمجوسية زنديقًا. ثم صار اسم الزندقة اسْمًا علَميًّا في الفقه، يدل على مَنْ يُظهر الإسلام ويبطن الكفر، سواء كان كفره باعتقاد المجوسية الفارسية أم بالدهرية أم بغير ذلك، ولذلك قالوا: الزنديق يرادف المنافق، وخصّوا المنافقَ بمبطن الكفر في زمن الرسول - عليه السلام - والزنديقَ بمبطن الكفر بعد ذلك الزمن.
وكان مِمَّا يَصير به المرءُ معرَّضًا إلى تهمة الزندقة أن يكون فارسيَّ الأصل، أو أن يُؤْثَرَ عنه بُغْضُ العرب، أو أن يكون من أهل الخلاعة والمجون أو المزح في الأمور الراجعة إلى العبادات، أو أن يكون منكِرًا لشيء من أصول الشيعة العباسية، أو أن يكون لا يحفظ من القرآن شيئًا - فقد أُخِذ بذلك محمد بن أبي عبيد الله وزيرِ المهدي، حسبما ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 161 هـ (?). هذا والمهديُّ لم يكن له من أصالة الرأي ما كان للمنصور والسَّفاح، فأغْرَق في تقصِّي أحوال الناس والرمي بالزندقة.