فما شاع نبأُ وفاته - صلى الله عليه وسلم - حتى ارتجت المدينةُ واضطرب أمرُ الأمة، وهجست خواطرُ الشيطان في نفوس الأعراب وحديثي الإسلام. وكاد الخلاف أن يدب بين المسلمين في أمر الخلافة، وأخطر ما فيه توقع دبيب الخلاف بين فريقين لم يختلفا البتة، وهما المهاجرون والأنصار، فكان موقف أبي بكر أولَ يوم عقب وفاة رسول الله موقف مَنْ رتق الفتق، ورأب الثأْي، وبه استقر أمرُ الجماعة في وطن الإسلام، ومدينة أهل الحل والعقد من قادة الأمة، فبايعوا أبا بكر خليفةً لرسول الله في تدبير شؤون المسلمين، فكان ذلك مبدأ تجديد أمر الدين بعد انفتاق نسيجه، ومبدأ إشادة صرحه بعد أن أشرف على الانهيار.

[المائة الأولى]:

وما أن استقر الأمرُ بضعةَ أيام حتى ارتدت العرب، وتسرب الانحلالُ إلى الجامعة الإسلامية، وبقيت سلطةُ الخليفة قاصرةً على المدينة وقليل من القبائل. فوجم أبو بكر، وتحير المسلمون، فاستشارهم أبو بكر في ذلك، فما أقدموا على ارتياء مقاتلة معظم العرب، ولكن أبا بكر قد سدد الله رأيَه وثبَّت فؤاده، فقال: "والله لو منعونِي عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليه، كيف لا أقاتل من فرَّق بين الصلاة والزكاة؟ فإن الزكاة حق المال". (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015