يبين كلامَ المؤلف هنا كلامٌ صدر عن ابن الأثير في الفصل الثاني من مقدمة "المثل السائر" إذا قال: "وقد قيل: ينبغي للكاتب أن يتعلق بكل علم، حتى قيل: كلُّ ذي علم يسوغ له أن ينسُبَ نفسَه إليه فيقول: فلانٌ النحوي، وفلانٌ الفقيه، وفلان المتكلم، ولا يسوغ له أن ينسب نفسه إلى الكتابة فيقول: فلانٌ الكاتب، وذلك لِمَا يفتقر إليه من الخوض في كل فن". (?) وذكر ابنُ الأثير أن فنَّ الكتابة يفتقر إلى سبعةِ أنواعٍ من الآلات، هي علوم العربية، وعلم اللغة، وأمثال العرب، والاطلاع على تآليف مَنْ تقدمه من أرباب الصناعة المنظومة والمنثورة، ومعرفة الأحكام السلطانية، وحفظ القرآن، وحفظ ما يحتاج إليه من الأخبار الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (?).

وقال القلقشندي: "إن كاتبَ الإنشاء في الحقيقة لا يستغني عن علم، ولا يسعه الوقوف عند فن" (?). وعلى هذا الاعتبار توسع القلقشنديُّ فألف كتابه "صبح الأعشى في صناعة الإنشاء" في عشرين جزءًا. وقال: "واعلمْ أنَّ كاتب الإنشاءَ وإن كان يحتاج إلى التعلق بجميع العلوم، فليس احتياجُه إلى ذلك على حدٍّ واحد، بل منها ما يحتاج إليه بطريق الذات، وهي موادُّ الإنشاء التي يستمد منها [ويقتبس من مقاصدها]، كاللغة [التي منها استمدادُ الألفاظ]، والنحو [الذي به استقامةُ الكلام، وعلوم] البلاغة [من المعاني والبيان والبديع التي هي مناطُ التحقيق والتحسين والتقبيح ونحو ذلك مما يجري هذا المجرى]. . . ومنها ما يحتاج إليه بطريق العَرَض كالطب والهندسة [والهيئة ونحوها من العلوم]؛ فإنه يحتاج إلى الألفاظ الدائرة بين أهل كل علم، وإلى معرفة المشهورين من أهله، ومشاهير الكتب المصنفة فيه. . . بل ربما احتاج إلى معرفة مصطلح سفل الناس لكتابة أمور هزلية. . ." إلخ (?). وهذا الكلام تقييدٌ لكلام ابن الأثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015