قوله: "يتشوقُها المعنى بحقه"، أي يقتضيها، فجعل اقتضاءَ معنى البيت للقافية كالتشوُّق، وهو شدةُ الشوق. وجعل ذلك الشوقَ ملابسًا للحق، أي يتشوقها تشوقًا حقَّا. وجعل اللفظَ متشوِّقًا للقافية بقسطه، أي بحظِّه من البيت؛ فإن للألفاظ حظوظًا من المناسبة كما تقدم. ألا ترى قولَ أبي الطيب:

رَأَيْتُكَ فِي الَّذِينَ أَرَى مُلُوكًا ... كَأَنَّكَ مُسْتَقِيمٌ فِي مُحَالِ (?)

فإنك تجد كلمةَ "محال" - وهي قافيةُ البيت - مغتصبةً مجتلبَةً لأجل الرَّوِيِّ، وإلا فإن الاستقامةَ يقابلُها الاعوجاج، بيد أنه غَفَرَ له ذلك قولُه بعده:

فَإِنْ تَفُقِ الأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... فَإِنَّ المِسْكَ بَعْضُ دَمِ الغَزَالِ (?)

فجاء بمعنًى بديعٍ وقافية متشوِّقة، بحيث لا يمكنُ أن تُعوَّضَ بغيرها. وقد تقدم بيانُ بقية كلام المؤلف في عدِّ الأبواب السبعة.

• "فهذه الخصالُ عَمُودُ الشعر عند العرب، فمَنْ لزمها بحقِّها وبَنَى شِعْرَه عليها، فهو عندهم المفلِقُ المعظَّم، والمحسِن المقدَّم. ومَنْ لم يجمعها كلَّها، فبقدر سُهْمَته منها يكون نصيبُه من المتقدم والإحسان. وهذا إجماعٌ مأخوذٌ به، ومتَّبع نهجُه حتى الآن" (?)،

قال قدامة في نقد الشعر: " [وأذكر أسبابَ الجودة، وأحوالَها، وأعدادَ أجناسها، ليكون] ما يوجد من الشعر الذي اجتمعت فيه الأوصافُ المحمودةُ كلُّها وخلَا من الخلال المذمومة بأسرها، يُسمَّى شعرًا في غاية الجودة، وما يوجد بضدِّ هذه الحال يُسَمَّى شعرًا في غاية الرداءة، وما يجتمع فيه من الحالين أسبابٌ يُنَزَّل له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015