قال في دلائل الإعجاز: "وأما الاستعارة، فسببُ ما ترى لها من المزية أنك إذا قلت: رأيتُ أسدًا، كنتَ قد تلطَّفتْ لما أردت إثباتَه له من فرط الشجاعة، [حتى جعلتها كالشيء الذي يجب له الثبوتُ والحصول، وكالأمر الذي نُصِب له دليلٌ يقطع بوجوده]. وذلك أنه إذا كان أسدًا، فواجبٌ أن تكون له تلك الشجاعةُ العظيمة، [وكالمستحيل أو الممتنع أن يَعْرَى عنها]. وإذا صرَّحتَ بالتشبيه فقلتَ: رأيتُ رجلًا كالأسد، كنتَ قد أثبتها إثباتَ الشيء يتَرجَّحُ بين أن يكون وبين أن لا يكون". (?)
ومن مراعاة المناسبة بين المستعار له والمستعار منه كان حقًّا أن لا يغفل الشاعرُ عن استعارته فينقضها، كقول أبي تمام:
تَحَمَّلْتَ مَا لَوْ حُمِّلَ الدَّهْرُ شَطْرَهُ ... لَفَكَّرَ دَهْرًا أَيُّ عِبْأيْهِ أَثْقَلُ (?)
فإنه لما جعل الدهرُ بمنزلة الإنسان المفكِّر، كان عليه أن لا ينقضَ ذلك بأن يجعل لتفكيره مدةً يسميها دهرًا، فتصير مدته هي عينه.
• "ومشاكلة اللفظ للمعنى" (?): المشاكلة المماثلة، إذِ الشكلُ الشَّبَهُ والمِثْل. وأرادَ بالمعنى هنا الغرضَ المفاد بألفاظ التركيب لا المعنى الموضوع له اللفظ؛ لأن المعنى الموضوع له لَا يُتصور فيه اشتراطُ مشاكلة بينه وبين اللفظ الدال عليه. فالمراد أن الغرضَ الشريف تناسبُه الألفاظُ الموضوعة لمعان حميدة، وأن الغرضَ الخسيس تناسبه الألفاظُ الموضوعة للمعاني الخسيسة، سواء كانت المعاني حقيقيَّةً أم كانت مجازية ومستعارة.
فمقام المديح والرثاء - مثلًا - تناسبه المعاني الحميدة، ومقام الهجاء تناسبه المعاني الذميمة، كما في مقذِعات شعر بشار، بحيث لا يحسن أن يُستعمل اللفظُ