المؤلف بالتقييد في قوله: "إذ كانت المعاني بمنزلة المعارض للجواري" (?)، إلى أن البلغاء الذين صرفوا همتَهم في اختيار الكلام البليغ إلى جانبه اللفظي ما أرادوا حالةَ مفرداتِ الألفاظ، ولكن أرادوا حالةَ الكلام المؤلَّف كيف تبرز حين تأليفه، والمؤلِّف ينحو بهذا إلى ما تقدم مما حققه عبد القاهر.
• "وقد قال أبو الحسن ابن طَباطَبا في الشعر: هو ما إن عَرِيَ من معنى بديع لم يعر من حسن الديباجة، وما خالف هذا فليس بشعر" (?)،
ساق المؤلف كلام ابن طباطبا حجةً على أن العناية باللفظ هي في الدرجة الأولى عند كثير من أهل الأدب، بحيث إن حسن الديباجة اللفظية يجعل الكلام مقبولًا ولو كان عَرِيًّا من معنى بديع؛ إذ قد يعرى البيتُ أو أكثر من القصيدة، والسطرُ أو أكثرُ من الرسالة، عن معنى بديع فيكسوه الكلامُ بحسنه حسنًا يعتاض به عن حسن المعنى. وكلام أبي الحسن وإن خصه بالشعر، فهو منطبِقٌ على النثر لا محالة، كما أشار إليه المرزوقي بسوق كلام أبي الحسن عقب ما تقدم، ثم تقييده بقوله "في الشعر".
وأبو الحسن ابن طباطبا هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن - أيضًا - ابن علي بن أبي طالب. وطَبَاطَبَا (بفتح الطاء مكررًا) لقب أُلصِقُ بجد جده إبراهيم بن إسماعيل؛ لأنه كان يلثغ في القاف بجعله طاء وطلب يومًا غلامه أن يأتيه بثيابه فأتاه بدراعة فقال "لا طباطبا" يعني قباقبا.
وأبو الحسن شاعر مفلق، وعالم محقق. ولد بأصبهان، وتوفي بها سنة 322 هـ. كان مشهورًا بالفطنة وصحة الذهن، وله كتاب "عيار الشعر" وكتاب "تهذيب الطبع" وكتاب "العروض" وكتاب "المدخل في معرفة المعمَّى من الشعر" وكتاب في