الكلام ومحاسنه. ولكن المتأخرين من عهد السَّكَّاكي رأوا أن لا محيصَ عن الاعتداد بصفات الكلمة المفردة قبل دخولها في نظم الكلام، فجعلوا الفصاحةَ مشتركةَ الوقوع في المفرد وفي الكلام، لا سيما بعد أن وضحت المَحَجَّةُ وزالت الشبهةُ التي استنكرها عبد القاهر، وإن كانوا لا ينكرون أن فصاحةَ المفرد لا يُهْتَمُّ بها إلا من حيث أنه معرض للوقوع في الكلام، فآل الخلاف إلى اللفظ. وقد أشار المؤلف إلى الأمرين في قوله الآتي: "إِذْ كانت الألفاظ للمعاني بمنزلة المعارض للجواري". (?)
وأصحابُ هذا المذهب لا يعبأون بالصنعة، ولا يتكلفون للمحسنات، ومنهم عبد القاهر، قال في أسرار البلاغة: "ولن تجد أَيْمنَ طائرًا (?)، وأحسنَ أوَّلًا وآخرًا، وأهدَى إلى الإحسان، وأجلبَ للاستحسان، من أن ترسل المعاني على سجيتها، وتدعَها تطلب لأنفسها الألفاظَ؛ فإنها إذا تُركت وما تريد لم تكتَسِ إلا ما يليق بها، ولم تلبسْ من المعارض إلا ما يَزِينها. فأما أن تضع في نفسك أنه لا بدَّ من أن تجنِّسَ أو تسجع بلفظين مخصوصين، فهو الذي أنت منه بِعَرَضٍ الاستكراه، وعلى خطر من الخطأ والوقوع في الذم". (?)