و"التصاريف" جمع تصريف وهو التغيير، أي تغيير المتكلِّم كلامَه من أسلوب إلى أسلوب ومن كيفية إلى أخرى، بحسب اختلاف مواقعه. فالمراد تغيير طريقة الكلام التي يسلكها بأن يسلك مرةً طريقةً وأخرى طريقة غيرها، لا تغيير الكلام الواحد وتبديله. وعرفه عبد القاهر بقوله: "والأسلوب الضرب من النظم والطريقة فيه". (?) وهذا هو المعبَّر عنه بالأساليب (جمع أسلوب)، وقد ذكرناه آنفا. وإطلاق التصريف على ذلك من إطلاق المصدر على اسم المفعول، كالخَلق بمعنى المخلوق. والتضاعيف جمع تضعيف، وهو تكرير الشيء. أراد بها الفنونَ الكثيرة فجمعها؛ لأن كلَّ فن في الكلام هو تكريرٌ للجنس الأعلى، أعني جنس الخصوصيات البلاغية، فهو تكريرُ مظاهرَ لا تكرير شيء معين.

وقوله: "اتسع مجالُ الطبع. . ." إلخ، هو خبر عن قوله "ولأن تصاريف المباني. . ." إلخ. والطبعُ الوجدان الذهني، والمراد به هنا وجدانُ البليغ وطبعه، وهو المسمَّى عندهم بالذوق. وهو الذي يحصلُ للبليغ من ممارسة كلام البلغاء ومن تطبيق القواعد والضوابط التي يتلقاها في تعلم الصناعة، حتى تحصل له ملكةٌ تتميز بها أصنافُ الكلام في الجودة والرفعة ودونها، بحيث تحكم بأن هذا الكلامَ حسن وهذا أحسن وهذا دون ذلك. قال الجاحظ: "والإنسان بالتعلم وبطول الاختلاف إلى العلماء ومدارسة كتب الحكماء يجود لفظُه ويحسن أدبه، وهو لا يحتاج في فساد البيان إلى أكثر من ترك التخير". (?) وقال السكاكي: "ليس من الواجب في صناعة (. . .) أن يكون الدخيلُ فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعةُ مستندةً إلى تحكماتٍ وضعية، واعتبارات إلفية؟ "، ثم قال: "وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015