وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)} [يس: 69]، وقال أيضًا: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225)} [الشعراء: 224, 225]. ولَمَّا كان الأمرُ على ما بينَّاه، وجب أن يكون النثرُ أرفعَ شأنًا وأعلى سمكًا وبناءً من النظم، وأن يكون مزاولُه كذلك، اعتبارًا بسائر الصناعات وبمزاوليها.

وأما السببُ في قلةِ المترسِّلين وكثرة المفلِقين وعِزِّ مَنْ جمع بين النوعين مبرِّزًا فيهما، فهو أن مَبْنَى "الترسُّل" أن يكون واضحَ المنهج، سهلَ المعنى، ممتدَّ الباع، واسعَ النطاق، تدُلُّ لوائحُه على حقائقه، وظواهرُه على بواطنه؛ إذ كان مورُده على أسماعٍ مفترقة: من خاصِّي وعامي، وأفهامٍ مختلفة: من ذكِيٍّ وغبي. فمتى كان متسهَّلًا متساوقًا، ومتسلسلًا متجاوبًا، تساوتِ الآذانُ في تلقيه، والأفهامُ في درايته، والألسُن في روايته، فيَسْمَحُ شاردُه إذا استُدعِي، ويتعجَّلُ وافدُه إذا استُدنِي، وإنْ تطاول أنفاسُ فصوله، وتباعَد أطرافُ حزونه وسهوله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015