وطرقُ القصر ستة وهي: النفي مع الاستثناء، وإنما، والتقديم لما حقُّه التأخير من مسند ومفعول ومعمول فعل، والعطفُ بلا وبل ولكن، أو ما يقوم مقامَ العطف من الدلالة على الاستدراك بإثباتٍ بعد نفي أو عكسه، وتعريف المسند، وتوسيط ضمير الفعل. وهذه أمثلتُها على الترتيب:
قول لبيد:
وَمَا المَرْءُ إِلَّا كَالشِّهَابِ وَضَوْئِهِ ... يَحُورُ رَمَادًا بَعْدَ إِذْ هُوَ سَاطِعُ (?)
وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} [البقرة: 173].
وقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)} [الكافرون: 6].
وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5]، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [المطففين: 26].
ومثالُ طريق العطف بـ "لكن" بعد الواو قولُه تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران: 67]، وكذا قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} [النحل: 106]، فهو قصرٌ بعد قصر؛ لأن قوله: "إلا من أكره" أخرج المكره من الكافر، ثم أخرج منه مَنْ شرح بالكفر صدرًا. فالتقدير: مَنْ كفر بالله مُكْرَهًا لا غضبَ عليه، ولكن مَنْ شرح بالكفر صدرًا. وأعلم أن هذه الآية فيها ثلاثةُ طرق من طرق القصر.