يكثر لك العثورُ في كلام أئمة النقد وصناعة الإنشاء والشعر على ذكرهم وصفَ الجزالة في محاسن الألفاظ. وربما عدَّها بعضُهم في محاسن المعاني أيضًا، فقد قال المرزوقي في مقدمة شرحه لديوان الحماسة: "فطلبوا المعاني المعجبة من خواص أماكنها، وانتزعوها جزلة عذبة". (?)
ولَمْ أر منهم مَنْ أفصح عن مقومات هذه الصفة وشرائط حصولها. وأنا أبذل مبلغ جهد الفكر في الكشف عن مفاد هذا الوصف، وأقدم ما هو منه وصف اللفظ ثم أتبعه بما هو منه وصف للمعنى.
فأمَّا الجزالة فهي وصفٌ للفظ، مأخوذة من صفات الناس؛ إذ الجزالة في الإنسان هي جودةُ رأيه، وكمالُ عقله، وإتقان فهمه. فيها يكون الإنسان جَزْلًا، أي كامل الإنسانية. وقد استحسن الفقهاء في القاضي أن يكون ذا جزالة رأي، وأرادوا هذا المعنى. وجزالةُ اللفظ عرَّفها ابنُ مكرم في لسان العرب فقال: "الكلام الجزل القوي الشديد، واللفظ الجزل خلاف الركيك". (?) وظاهرٌ أن مَرْجِعَ هذا إلى معنى