وعندي أن الذي جر المنكرين إلى إنكاره أمران: أحدُهما أنهم خالوا المترادفَ منافيًا لحكمة الواضع؛ لأنه تحصيلُ حاصل. والثاني ما وجدوه في مترادفات كثيرة مشتقة مع الاختلاف في موادّ اشتقاقها اختلافًا يؤذن باختلاف مدلولاتها، مثل الصارم، والفَيصل، والحُسام، المشتقة من الصِّرم، والفَصْل، والحسْم. وهذا الثاني هو الذي يرمى إليه كلامُ أبي علي الفارسي في مناظرته مع ابن خالويه (?).
وكشفُ شبهتهم أن نقول: أما منافاتُه للحكمة فممنوعة؛ لأن حكمةَ وضع اللغة المتسعة ليست منحصرةً في الإبانة، بل له حكمةٌ أخرى وهي قصدُ التوسع في الكلام، كما قال قطرب (?)، وإيجاد مادة لأدب تلك اللغة. وإن منكري الترادف لمَّا قَصَروا نظرَهم على التوجه نحو حكمة الوضع من جهة حصول الإبانة فقط قد غبنوا العربيةَ حقَّها من الشرف إذ نزّلوها بمنزلة اللغات الساذجة التي قصاراها الدلالةُ على بسيط المعاني الجائشة بالنفس. وليس كذلك معظمُ همِّ اللغات الكبرى، فإنها يُقصد منها أن تكون صالِحةً لأَنْ يتملك المتكلمُ بها مشاعرَ السامع في حال الشعر، والخطابة، والمراسلة، والملح. وإن العربية سيدةُ اللغات، فوجب أن يكون لها