فشاعت كتبه، وأقبل الناس عليها، وتناولوها بالشرح، حتى كان من شراح الرسالة معاصره بالعراق: القاضي عبد الوهاب. وكان من أعظم آثار ابن أبي زيد في المصطلح الفقهي أنه ردَّ إلى الفقه لغةَ الموطأ، بعد أن انصرفت عنها المدونات. فتحرَّى في الرسالة عباراتِ الموطأ وجعلها الأصل، ولخص الأحاديث. وقد نبه على ذلك شراحُ الرسالة في كثير من مواضعها، وأنه الذي لَخَّص المسائلَ التي كانت مبسوطةً بطريقة الحوار والتصوير الجزئي في الكلمات الجامعة المحدودة الدلالة، كما يستعمل كلمة "الصفة" لما يقابل "العين". فيريد بالصفة ما يشمل الجنس والمقدار، كما عبر بذلك في السلف وفي السلم، وأنه يضبط النظريات الشاملة للصور الكثيرة فيعطيها صيغةَ القاعدة الكلية التي ترجع إليها الصورةُ في وضوح، كما يقول مثلًا: "يباع جزاف بمكيل من صفته"، أو يقول: "ولا يجوز سلف يجر منفعة"، أو يقول في الإجارة: "إذا ضربا لذلك أجلًا وسَمَّيا ثمنًا".
وكانت طريقة ابن أبي زيد هي التي ضربت المثل للاختصار، وفتحت الباب للمختصرات التي توالت على تجديد التعبير وضبط المصطلح، فظهر أبو القاسم البراذعي (?) القيرواني تلميذ ابن أبي زيد بتهذيبه للمدونة واختصاره للواضحة. فشاع تهذيبه للمدونة وأقبل الناس على شرحه، وصار المرجع في المذهب، وتُركت المدونة، فأصبحت مسائلها لا تؤخذ إلا من طريقه. وظهر معاصرًا له القاضي عبد الوهاب بالعراق، فألف مختصره الذي سماه "التلقين". وظهر معاصرًا لهما أيضًا أبو عبد الله محمد بن أبي زمنين ألبيري الأندلسي، فألف مختصره للمدونة الذي سماه "المقرب". وجميع هذه المختصرات رائجة ومعتمد عليها، وعلى تعبيرها تأسست