وجاذبوهم الأحاديث في شئون كثيرة، وأهدوا إليهم من الآراء والأفكار ما بلغ خطره على الحياة الاجتماعية والسياسية مبلغا يعجزك تقدير خطره عن الأمم؟

أين هذا النادى من أندية أعوان الاستعمار الذين انبثوا في الصحافة، فوجهوها وجهة معينة في هذا القرن؟ أين هذا النادى من الأقلام الدخيلة المتسترة باسم العلم والفن والأدب والسياسة، وعملها موغل في التغرير بالجمهور المتطلع إلى الفهم والمعرفة؟ أين هذا النادى من الإذاعات العامة، كالسينما والراديو والتمثيل وأشباهها، وهي جميعا ملوثة بالفساد تعمل في تحريكها أصابع لا ترى، وألسنة لا تسمع، تبث في الناس ما تبث باسم اللهو والتسلية والترفيه، وفيها السم الذي لا ينجو ذائقه؟ أين هذا النادى من أندية مبثوثة في كل منزل، وفي كل طريق، وفي كل مكتب- تعمل باسم الصداقة أو باسم الخدمة العامة، أو باسم التجارة، أو باسم العلم والأدب؟

مئات من الأندية ورثت نادى كرومر في بيت نازلى، ومئات من الأندية ورثت أندية الأسواق التجارية الماضية. فلو نحن راجعنا تاريخ الأسماء التي وقعت في يدها مقاليد الحكم، أو كانوا أعوانا لهذا الحكم، لعرفنا جذور الفساد، وعرفنا أنها غاصت في أرض خبيثة، استطعمت منها أخبث غذاء، لتكون نكبة ماحقة مستشرية في الشعب المضلل.

وأندية أخرى مثل هذه الأندية تقوم الآن في كل أرض للاستعمار فيها قدم، أو له فيها مطمع: في جزيرة العرب، في الشام، في لبنان، في العراق، في اليمن، في بلاد المغرب، بل في سائر بلاد الشرق. ويخرج من مجموع هؤلاء جميعا ناد أكبر من هذه الأندية جميعا، هو النادى المختلط الذي احتكر، أو أراد أن يحتكر، الكلام باسم هذه الأمم، ويتولى قيادتها وتصريف شئونها، ويذيع على الشعوب المغررة معاني لم تستمد أصولها إلا من الكذب والغش والفساد، ومن التجارة البشعة بمستقبل الحياة الحرة في هذا الشرق، لقاء عرض زائل من مال يثمرونه، أو شهرة يستمتعون بها، أو مجد يحلمون به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015