الرجل الذي ينبعث من زحام الشعب المسكين الفقير المظلوم يحمل في رجولته السراجَ الوهَّاج المشتعل من كل نواحيه، الرجل المصبوب في أجلاده من الثورة والعنف والإحساس بآلام الأمة كلها، وآلام الأجيال الصارخة من وراء البنيان الحي المتحرك على هذه الأرض الذي يسمى في اللغة "الإنسان". وليس ظهور هذا الرجل بالأمر الهين، ولا إعداده بالذي يترك حتى يكون؛ بل هنا موضع للعمل وللإنشاء. وكبرُ ذلك مُلقًى على الأدباء والكتاب والشعراء، وعلى كل إنسان يحترم إنسانيته؛ فالأدباء ومن إليهم قد وقع عليهم التكليف أن يرموا بما يكتبون إلى إيقاظ كل نائمة من عواطف الإنسان، وإلى إثارة كل كامنة من نار الهداية المحاربة التي لا تخمد، ولا يكون ذلك شيئًا إلا بأن يعدّ كل أحد نفسه كالجندي عليه أبدًا أن تكون حماسته هي روح الحرب فيه، فهو يمشي بها في كل عمل، ولو في نقل البريد من مكان إلى مكان. إذن فأول الإصلاح الاجتماعي هو إدماج عواطف الفرد في مصالح الجماعة على أَتم صورة من صور الحماسة أي القوة التي تنبعث من الدم لتطهير الدم؛ وهذا بعض ما نتوافى عليه مع الدكتور هيكل إذ يقول في مقاله الذي أشرنا إليه آنفًا "لم يفكر أحد في مشكلاتنا الاجتماعية واضعا نصب عينيه غاية قومية يريد أن يحققها، بل ترانا إذا فكرنا في الأمر كان الدافع لتفكيرنا فيه عواطف الشفقة أحيانا، والبر بالإنسان أحيانًا أخرى، وهذه عواطف قد تحمد في الأفراد، لكنها لا قيمة لها في حياة الجماعة ويوم فرض الله الزكاة في الإسلام وقرن بها الصدقة لم يقم الشارع ذلك على أساس العاطفة الفردية، بل أقامه على أساس النظام الاجتماعي".

والكتابة هي زكاة العلم، فيجب أن تقوم على هذا الأصل الفردى المتحمس المتدفق بتياره في أعصاب النظام الاجتماعي، فإذا اتخذها كتابنا على هذا وتكلموا بقلوبهم قبل ألسنتهم وأقلامهم كان ذلك قمينًا أن يبعث الرجل الذي سوف يضئ للحياة الاجتماعية سُدَف (?) الجهل والضعة والبغى والاستبداد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015