أحلام مبعثرة

ليس يخفى على أحد لمن يتعاطى الأدب والشعر والفلسفة وما إليها من مادة الأفكار القلقة التي تعيش بأشواقها الظامئة إلى حقائق الوجود أن هذه الفنون الجميلة الرفيعة لا يتلقاها عامة الناس في مصر إلا بالاستهانة والسخرية، ومع أن من هؤلاء الناس من يجد الحاجة إلى تناول بعض هذه المواد العقلية من أصحابها فإنه مع ذلك يجد من رغبته إلحاحا يحمله على النظر إليها وإلى أصحابها نظرة الساخر المستصغر.

وعدوى الرأي والفكر حقيقة قائمة في الطباع كحقيقة الجرثومة إذا التبست بالبدن المستعد لقبول المرض الذي تقوم به، فالعامية الطاغية على الشعوب العربية في هذا العصر تعدى جراثيمها كل متعرض لها، فمن هنا كان كثير من طلبة الأدب، ومن يجدون في أنفسهم رغبة واستعدادًا وشغفا به، ربما تناولوا المادة الأدبية بشغفهم من ناحية، ولكن تغلبهم من الناحية الأخرى عامية العصر، فلا يزالون ينظرون إلى الإنتاج الأدبى نظرة فاترة، ساكنة باردة على الأغلب والأعم. وبذلك تقل حماسة الطالب لما يطلبه من الأدب، وإذا قلَّت الحماسة ضَعُفَ النظر واختلج الرأي وضاعت حقيقة الأدب.

وإذا تم ذلك كانت هذه العدوى مؤثرة أثرا قويا بالغا في أصحاب الإنتاج أنفسهم، أي في الأدباء، فترى الأديب يتهالك في أدبه بقدر ما يأخذ من جرثومة الداء العامي، لأنه لا يستطيع أن يتخلص من روح الاجتماع الذي يتنفس في جوه، ولأنه أيضا يريد أن يتدلى إلى عامية الشعب ليكتسب لنفسه قراء أيا كانوا يشعر بنظراتهم وهي تجري على كلامه الذي يكتبه من أجلهم، ليجد صيته وشهرته عندهم حتى يرضى ويطفئ ما يتوقد في نفسه من حب الشهرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015