إلى على ماهر باشا

هل يأذن لي -صاحب الرفعة- أن أنتحل لنفسي صفة الأديب الذي يريد أن يتكلم بلسان مصر الخالدة التي أرسلت أجيالها تطل علينا من لدن عصر التاريخ الأول إلى القريب القريب ممن توفاه الله من آبائها وأبنائها؟

إنني لن أنتحل بهذا شيئا ليس لي، فإن الأدب الذي وقفت نفسي عليه هو نفسه ليس إلا تعبير الوطن كله بأرضه وسمائه وسكانه بألفاظه من اللغة على لسان رجل واحد، فما ينكر أحد على أديب مجهول مثلي -يجد في دمه تلك الأمواج الثائرة المتدفقة، وهي تتدافع في بنيانه تيارا من الإحساس- أن يطلب بألفاظه التعبير عن حقيقة هذا التيار تعبيرا صريحا يدل بروحه على أن الغفلة المظلمة لم تطبق دياجيها على القلب المصري الحر بعد.

حين بدأ الموقف المصري السياسي يرسل تلك الرعدة النافضة في أعصاب الوطن المستيقظ، بادرت فكتبت كلمة كنت أجد ألفاظها جائلة تدور في نفسي. كان الموقف غامضا، ولكني كنت أجد الهواء ينشق عن رائحة الفجر ويترقرق بأنواره فعلمت ساعتئذ بعض واجبي، فسارعت إليه. فلما قرأت اليوم ذلك البيان الفاصل الذي فرق بين الحق والباطل جعلت أستعيده مرات. ثم قلت لنفسي: "ويحك يا نفس! أي رجل هذا الذي أشرق من قلبه النور الخالد الذي أضاء لمصر وللعالم الإسلامي طريقا سوداء داجية"، وعندئذ علمت من واجبي بعضًا آخر.

إن مصر قد لقيت في هذا القرن من أحداث الدهر ما لا طاقة لوطني بالصبر على لأوائه وشدته، فقد قامت جماعات أريد لها يوما أن تنصب أنفسها كالأعلام الشامخة في تاريخ مصر، فكان ذلك. ومع ذلك فإن القلب المصري الذي لا يندفع وراء صوت الناعق، قد وجد هؤلاء -حين استوى لهم الأمر- قد أفرغوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015