الأدب والحرب

إن روح الأديب الذي أعدته طبيعته للتعبير عن الإحساس الذي يجيش في ضميره تعبيرًا يكفل لنفسه البقاء والخلود في تاريخ الأدب، هي الروح الصحيحة التي يمكن أن يعرف من ناحيتها حقيقة تأثير الحرب في الأدب. وقد قلنا مرارا إن تأثير الحرب في الأدب ليس هو أن ينصب الأدباء أنفسهم لتسجيل أخبار الحرب أو أحداثها أو نتائجها أو غاياتها أو فكاهاتها، وما يكون فيها أو منها مما يمكن أن يتخذ أساسًا للكتابة، وإنما يكون أثر الحرب في أدب الأديب في وحي الفكرة التي يقوم عليها بناء إنشائه البليغ، أو غرضه الذي يتوجه إليه معنى كلامه. وبذلك نعرف أن تأثير الحرب في الأدب يقع في كل إنتاج بيانى صحيح، فالحديث عن المرأة مثلا إذا كان في كلام هذا الأديب يخضع اليوم -أو زمن الحرب- خضوعا تاما من بعض نواحيه للزلازل المرجفة التي يرتج في رجفاتها كيان الأديب المفكر المترفع.

وهذه الحرب الحديثة التي نسمع اليوم هدها ودويها وقعقعتها، وتزأر في نواحي ميادينها والوحوش المجنونة التي تستولغ في الدم، وتصبغ فيه أفكارها وأعمالها وعقائدها، وتنشب مخالبها في الفرائس التي تلاقيها في انقضاضها المخبول حين تنقض بكل غرائزها الدنيئة التي تثور في الإنسان ساعة الغضب وأوان الحقد وعند الحفيظة -نقول هذه الحرب الحديثة ذات الطبيعة الدموية الحمراء، تخالف من كل نواحيها كل ما سبقها من الحروب في تاريخ العالم من لدن آدم إلى يوم الناس هذا.

فلا جرم إذن أن يكون تأثيرها في طبائع البشر تأثيرا مخالفا لما سبق من تأثير الحروب السالفة في توجيه شعور العالم. والأديب -لا شك- أشد الناس تأثرا بهذه الحرب، وأثرها فيه وفي أدبه أشد وضوحا وبيانا من مثل ذلك في سائر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015