تهيئة الشرق لوراثة الحضارات والمدنيات

لبثت في أسر "الوظيفة الحكومية" عشر سنوات متواليات أعمل فيها ولها، ثم تنزل القدر فعافتنى وعفتها، وانطلقت أطوى الأرض. . .، أنظر بعينيَّ إلى آفاق تترامى على مطرح البصر، وكأنى آبد قد حطَّم القيود وانفلت من بين أعواد الحديد التي كانت تمسكه من ورائها، وملأت رئتىَّ من الهواء الحر، يارب، أين كنتُ؟ إن طبيعتى التي فُطِرْتُ عليها تأبي أن تألف هذه الأنفاس المقتّرة المعطاة على المنة لصدور تنطوى على قلوب حية تنبض وتتحرك وتسمو بآمالها إلى الخير النبيل. وبقيت أياما، هي من حياتى كأنها ذكرى فرحة قديمة انبعثت على حين غفلة من كهوف النفس المهجورة التي يختبئ في ظلماتها ما يمضي من أفراح الحياة.

وتوالت الأيام تتسحب على ظلال العمر، وتجلت الأحلام العزيزة التي لا تفني وسكنت النفس إلى حريتها، وبدأت أبحث عن واجبي في الحياة، فمكثت على لُبث أتأمل وأفكر، والروح في فترة من هدوء ورضًا، حتى اهتديت بحمد الله إلى الطريق والغاية.

نحن شعوب متخاذلة قد غفلت عن حقيقة الحياة، فواجبنا أن نعمل على إيقاظ هذه الشعوب من سنة النوم التي طالت بها، وقتلت فيها مادة النشاط التي تدفعها إلى تحقيق الأغراض النبيلة التي خلق من أجلها الإنسان على الأرض. أجل .. ، وهذه الشعوب نفسها، هذا الشرق، قد أثبت في التاريخ مرات أنه قادر على صناعة الحضارة والمدنية، يتقنها ويستجيدها ويطهرها من أدران البلاء التي تعصف بإنسانية الإِنسان كما تعصف الريح بأوراق الشجر. فلم لا يثبت الشرق مرة أخرى في التاريخ الحديث أنه لم ينس هذه الصناعة؟ وأن أنامله الرفيقة لا تزال قادرة على نسج الثياب الرفيعة التي تلبسها الإنسانية لتزهى بها، وتبدو في زينتها؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015