يدرسها، فإن في تطبيقها والتوسع فيها إنقاذًا للعربية من الضيق وقلة المادة. وإذا صحت هذه القاعدة التي ذكرها الأستاذ، فأنا ولا شك قد أسأت إليه أبلغ الإساءة وعليَّ أن أعتذر إليه جهدى، وإن أبذل إليه العُتْبَى حتى يرضى. فهذه القاعدة هي التي "تزيل الإشكال" وتجعل كلامي الأول تحريفا لكلمه عن مواضعه، وبناء قائما على توهم ليس فيه من الحق شيء، ومع اعترافي بأنى كنت أجهل هذه القاعدة حين كتبت مقالى الأول، فإني لا أزال في شك من أمرها ولا أستطيع أن أقر الأستاذ عليها ولا أطاوعه فيها فالإشكال لا يزال عندي قائما.
ولا يغضبن الأستاذ مرة أخرى إذا اضطررنا أن نقول له أن الترجمة من حيث هي كما يقول لا ترادف التفسير من حيث هو، وليست من بابه، ولا لها به صلة. وتأويل ذلك أن الترجمة في أصلها "نقل" الكلام من لغة إلى لغة، وللترجمة شروط ودقائق يعرفها من مارسها وأخذ نفسه بها، والتفسير هو بيان معاني الكلام تفصيلا في اللغة الواحدة. هذا هو الأصل. ويحسن بى أن أضرب لفضيلة الأستاذ مثلا يقرب إليه فصل ما بين الكلامين. فلو أنى قلت للأستاذ أنى ترجمت قصيدة من شعر شكسبير من الإنجليزية إلى العربية، فمعنى ذلك أنى قرأت هذه القصيدة وتدبرتها وفهمت معانيها، وجهدت في استبطان نفس الشاعر في كلامه ومراميه، ثم هضمت ذلك كله، وجئت بلسانى العربي، فحاولت أن أنقل الى القارئ العربي الأديب شعر هذا الرجل في ثوب عربي لا يزيد ولا ينقص عن ثوبه الإنجليزي مجتهدا في أن أحمل اللفظ العربي روح الشاعر ونفسه ومقدرته على التأثير في نفس قارئه أو سامعه، غير مخل في ذلك بمعنى شعره أو معانيه مقابلا اللفظ الإنجليزي المحكم البليغ، الذي تتسع معانيه على قدر اتساع الأفهام، واختلاف الأحوال بلفظ عربي موجز مثله محكم بليغ تتسع معانيه وتختلف، بشرط أن لا يكون في عبارتى ما يخرج بالقارئ العربي إلى فهم معنى لا يحتمل أن يفهم من عبارة الشاعر الإنجليزي.
هذه واحدة. فإذا قلت للأستاذ أنى فسرت قصيدة من شعر امرئ القيس فمعنى ذلك أنى قرأت هذه القصيدة وتدبرتها، وفهمت معانيها، وجهدت في