عبد مناة، وهو جالس في ملأ من أصحابه ومواليه. دنت وسلّمت وقالت: يا أبا الخليل: هذا غلامك غيلان قد شبَّ وقال (?)، ألا تسمع قوله وشعره؟ قال: بلى! يا أم مسعودٍ! فتقدّم الغلام فأنشدهم، فإذا أبلغ قائل، وأنطق متكلم، وأحسن صوتٍ في أحبّ إنشادٍ، كأنما يرتل مزامير داود. قال الشيخ لقد أنجبتِ يا أمّ مسعود! أحسن ذو الرمة وأنهُ لشاعرٌ! فمن يومئذٍ ذهب بلقبه "ذي الرمة"، لذلك الحبل الأسود البالي الذي كان في عنقه، والذي كانت فيه المعاذة. (والرمة قطعة من حبلٍ بالية).

ولم يلبث أن خرج الغلام "ذو الرمة"، هو وأخوه مسعود وابن عمه (أوْفى)، في بغاءِ إبلٍ ضلّت لهم، حتى إذا أجهدهم العطش، وردوا ماءً. وإذا حِواءٌ (?) عظيم. فقال مسعود لأخيه الغلام: إيت الحِوَاء فاستسق لنا. فانطلق، فإذا عجوزٌ جالسةٌ فاستسقاها. فالتفتت وراءَها وقالت: يا مَي! اسق الغلام! . . . ودخل ذو الرُّمة على مي وهي تخيطُ ثوبًا لها، وهي تتغنَّى بأرخم صوتٍ.

يا من رَأى برقًا يَمُرُّ حينا؟ ... زمْزَمَ رعْدًا وانْتَحى يمينا

كأنّ في حافاته حنينًا ... أو صوتَ خيل ضُمَّر يَرْدِينا (?)

فقطعت غناءَها وقامت إليهِ تصبُّ في قربته من الماءِ. وعلى الفتاة بُرْدٌ فارسيٌّ لا جَيب ولا كُمّ يسمونهُ "النوذر". فلما مالت على القربة تصبُّ، رأى ذو الرُّمَّة، فلها بالنظر إليها. . . غلامٌ متوقدٌ ينظر من عيني باز، إلى فتاة أحسن من النار الموقدة في الليلة القرّة في عين المقرور مسنونة الوجه، أسيلة الخد، شماءُ الأنف، حُسَّانة الجيد، هيفاءُ أملود (?)، واردة الشعر، عليها وَسْم جمال، تنظر عن عيني غزال، فجعل يستطعم حديثها، حتى انطلقت تحدثهُ ويحدِّثها، والماءُ يذهب يمينًا وشمالًا. رقّت الفتاة للغلام حين نمَّ صوتهُ على هواه. فقالت له: يا ذا الرمة! لقد كلّفك أهلك السفر، على ما أرى من صغرك وحداثة سنك! ! وتفطن لهما العجوز، وتقبل عليهما، وتقول: يا بنَّي! ألهتك ميّ عما بعثك أهلك له! أما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015