وأنت إذا أخذت الضمائر أول ما تأخذ وجدتَ الإشارة فيها ظاهرة، فما قولهم "أنا" إلَّا إبانةٌ عن الصوت "أَن" (?) المدغم في الخياشيم مقترنًا بإشارة المتكلم إلى نفسه بيده، ثم تركوا الإشارة وعمدوا لفتح النون -أقاموا ذلك مقام الإشارة، فلما أراد أن يعبر عن المخاطب قرن "أن" بحركة يده في صدر مخاطبه. ثم استغنوا عن ذلك بتمثيل صوت اليد وهو يقرع الصَّدرَ في رفق بأخف الحروف النطعية التي يرتطم فيها الصوت بالحنك الأعلى محصورًا باللسان فقال: "أنت" (?).

فإذا قرَّ في نفسك هذا المذهب فأدرْ عليهِ سائر حروف الحَلْق مما لم نذْكره، وتبين فروق مواقعها وتدبر ذلك كل التدبُّر، تجد المذهب حسنًا سهلًا طيعًا لا يتخالف عليك إلَّا قليلًا. ونحنُ نأخذُ الآن في بيان بعض ذلك من جمهور بعض الكلام العربيّ المؤلَف من ثلاثة حروفٍ أحدُها مُضعَّف، ليكون ذلك المذهب أقرب إليك. فإن لكلّ حرفٍ معنى، فإذا نحنُ أخذنا في الثلاثيّ غير المضعف اقتضانا ذلك أن نعرضَ لمعنى حروف ثلاثة، والمؤونة علينا في تقريب ذلك إليك، والكلفة عليك في تعاطى ما نناولك -هي في ذوات الثلاث أشد منها في ذوات الحرفين.

وهذه الحروف الحلقية لم تجتمع في العربية على التضعيف إلا قليلًا لقرب مخارجها كما تعلم فقالوا "أحّ" و"أه" و"أخّ" ولم يقولوا "أع" ولا "أغ"، ولا "أأ" لأن هذه ثقيلة لا تأتلفُ. وهذه الثلاثة إنما تدل على إشارة وبيان فالصوت فيها يتحمل معنى التنبيه. ألا ترى أن قائل "أح" و"أخ" إنما يريد التألم والتوجع وإبداء ذلك والدلالة عليه، ولكنهُ مع الحاء يريد التنفيس عن نفسه لما يعانى من شدة الألم والوجع. وكما يكون من صوت المغيظ المحنق والمغموم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015