حتى اجتمعت لديه مادة عظيمة، ثم أرسل فيها رسلًا من ذكائه حتى ضمَّ أشتاتها وألّف بينها على أسلوب جيد في ترجمة أمثال ابن عبد ربه فقسّم كتابه إلى خمسة أقسام:

الأول: في المصادر التي أخذ منها، والثاني: في ترجمه حياته، والثالث: وهو أكبرها: في الكلام عن العقد، والرابع: في نثره، والخامس: في شعره. ويدور هذا الكتاب على التعريف بالعقْدِ أكثر مما يدور على ترجمة ابن عبد ربه فقد نقل فيه طائفة من العقد في أكثر أبوابه مما يعرف القاريء به ويصوره له. وقد بثّ في خلالها آراءً جيدةً، وأخرى مما يعترى كلّ مؤلف من التطوح أو الخطإ، وكان العهد بيني وبين رئيس التحرير أنْ استوفي هذا الكتاب نقدًا وتمحيصًا إلَّا أنى رأيت بعد ذلك أن أنقض هذا العهد لما فيهِ عن المشقة وما يستنفد من الجهد وما يتطاول بالكتابة. هذا ولأنّ الكتاب في مجموعه جيد متقن، ولعل مؤلفهُ سوف يستدرك فيهِ بعدُ ما فاته الآن فقد قال في مقدمته أنهُ لم يستقص "البحث في درس ابن عبد ربه كما يريد أو كما يجب أن يكون" وقال "وكل ما في درسي هذا أنهُ محاولة، أن لم أكن قد وفقت في كل نتائجها، فإني أرجو أن أكون قد وفقت في الطريق أو المنهج الذي سلكته فيها". وليس ما وقع فيهِ الأستاذ مما يشق على مثله أن يتداركه إذا تبين لهُ وجه الصواب وأهم ما يلزمنا أن ننبه إليه هو حشده الشواهد التي لا خطر لها فيما يستشهد لهُ مثال ذلك أنهُ حين تكلم عن تشيع ابن عبد ربه لآل البيت رضوان الله عليهم قال ص 61

ولم تكن هذه النزعة (يعني التشيع) عند ابن عبد ربه من القوة أو الشدة بحيث تظهر لأول وهلة في عقده، إذ قد تقرأ الفصول الطوال من العقد دون أن تشعر بها -إلى أن قال- غير أنا إذا قرأنا العقد وأنعمنا النظر في هذه المواقف التي يذكر فيها عليًّا وأولاده وآله نرى أثر هذه النزعة عنده -وندر أن يذكر عليًّا دون أن يلحق الاسم "يرضى الله عنهُ". وهذا استدلال ضعيف، فما من مسلم يذكر عليًّا أو غير عليٍّ من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلّا قال "- رضي الله عنه -" إلا طائفة قليلة ممن خرجوا على إجماع الأمة الإسلامية في تقديم الصحابة وخاصة النفر الأربعة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015